أقباط الأزمات و أزمات الأقباط - 3
عرَضنا فيما سبَق بعض الأزمات التي وصفناها بأنها داخلية، اي تخص الكنيسة من الداخل بما يضعها بالتبعية في مقابل الأزمة الخارجية التي يتم دائماً التركيز عليها.
و خلال العرض، بدا أن ما وُصف بأزمة الأولويات يعني أن المطلوب هو البدأ بإصلاح الداخل قبل الخارج. و كان المعنى أن كلاهما ضروري، لذا لم أرى سبباً لتقديم أحدهما على الآخر . فالإصلاح يسير بجناحيه، واحدٌ على الكنيسة - و الأقباط - أن تقوم به، و الآخر عليها - و هم معها - ألاّ تكف عن المطالبة به.
بقى أن يكتمل عرض الأزمات بعرض سياقها الذي نشأت فيه، و ليس الهدف هو تبرير الأخطاء بقدر ما هو أمانة السرد و تفسير ما تم ذكره. بمعنى أن الأزمات لم تنشأ لسبب تأصل الشر في الأفراد، و لكن لوجودهم في سياق معين و ظرف تاريخي و مجتمعي يحيط بهم - مع أن هذا لا يعفي من المسئولية.
1- فن صناعة الفراعنة
لا يمكن مناقشة أزمة السلطة في الكنيسة في معزل عن أزمة السلطة في المجتمع المصري و مؤسساته و إلاّ صار هذا ظلماً بيّناً. كلنا نعلم كيف يخضع الشعب لقائده دون نقاش حتى ليكاد يؤلّهه بينما يكثر الشكوى منه في ذات الوقت.
و المقارنة بين السلطة الدينية و المدنية في مصر تكاد تكون متطابقة في هذا الوجه. أضف إلى ذلك "القداسة" التي تحيط برجل الدين في المسيحية، في مجتمع يميل للغيبيات و يصدقها بعد أن يصنعها.
كل هذا ساهم في تأصيل أزمة السلطة في الكنيسة القبطية.
2- الظلم التاريخي
لا ينكر قاريء لتاريخ مصر ما تعرضت له الكنيسة القبطية - و الأقباط - من ظلم تاريخي على مدى عصور عديدة. وهناك عصور اضطهاد كادت أن تودي بالكنيسة المصرية لولا تمسكها بما كانت عليه حتى الدم. هنا يجب أن نتوقف لنرى أثر هذا التاريخ العنيف على الشخصية القبطية في شتى نواحي الحياة. تنشأ من هنا أزمة اغتراب ما في ذلك شك، و ما يتبع الاغتراب من انعزال و انكفاء على الذات.
و في الأذهان أحداث الإسكندرية، و الجرح العميق الذي خلّفته بعد أن كاد حاجز مشاركة الأقباط في الحياة العامة أن ينكسر.
3- الضغط الإسلامي
تخاف الكنيسة على "قطيعها" من تأثير الغالبية الإسلامية، يُنشيء هذا كثيراً من التجمد و التمسك الزائد بتقاليد أقل أهمية من الجوهر.. ربما خوفاً من التنازل الذي يجر مزيداً من التنازل. ربما يصبح الأمر أكثر وضوحاُ إن تساءلنا عن وضع الكنيسة القبطية في بيئات غير إسلامية. في إفريقيا مثلاً - و قد رأيت - تكتسب الكنيسة القبطية حيوية مذهلة، و مرونة رائعة و تواصل حقيقي مع هموم الناس. و تتعاون مع كل العناصر الفاعلة في المجتمع بحرية و ثقة من أجل خدمة الإنسان. و كذا الوضع في أوروبا أيضاً، مما يشير إلى دور مهم لوجود الكنيسة في مجتمع إسلامي تخشى منه و من تأثيره عليها.
4- تاريخ ثقيل
للكنيسة القبطية موروث تاريخي ضخم، من أمجاد و انكسارات. لذل فهي تقف على أرضية تراثية تقليدية صبة. و لكن الجذور أحيناً لا تكون غذاءً بل قيداً!
و قد ذكر مثل هذا الأستاذ جمال البنّا في حديثه عن التراكمات التي تلت الوحي في الإسلام، فهي - كما قال - جبل عظيم مهيب، و لكنه قد يحجب الشمس.
ربما يفيد هنا ذكر مثال الكنيسة الكاثوليكية، و قد استطاعت بحنكة أن توازن بين الجذور و الحداثة في المجمع الفاتيكاني الثاني، بادئةً مرحلة جديدة من التاريخ الكنسي دون أن تفقد جذورها التاريخية.
طبعاً يرتبط هذا بالنقطة السابقة، فالتحديث لا يمكن في وجود "تهديد"، بل مزيد من التمسك بالجذور خوفاً من فقدان الأصول.
5- غياب التنظيم
تغيرت لغة الكنيسة القبطية مرتان، و عُزل الباباوات كثيراً، و مرّت عليها من العصور أقساها، لذا قلّ في تاريخها الاستقرار . و الاستقرار مناخ التنظيم و التأصيل - فالكنيسة القبطية لم يكن أبداً لديها كتاب "كاتشيز" أو تعليم موثق كما لدى الكاثوليك مثلاً، و لا لائحة للرهبان (باستثناء قوانين باسيليوس في القرن الرابع - و هو من الكبادوك)، و نظام لانتخاب البابا، فهي أبداً لم تكن مستقرة بما يكفي كي تفعل - و إن كان استقرارها في العصر الحديث يتيح لها هذا، و قد بدأ بالفعل.
هذه بعض المحاولات للفهم، و لا أدّعي أنها تشمل كل جوانب المشكلة. مجرد وجهة نظر عن أقباط الأزمات و أزماتهم
و خلال العرض، بدا أن ما وُصف بأزمة الأولويات يعني أن المطلوب هو البدأ بإصلاح الداخل قبل الخارج. و كان المعنى أن كلاهما ضروري، لذا لم أرى سبباً لتقديم أحدهما على الآخر . فالإصلاح يسير بجناحيه، واحدٌ على الكنيسة - و الأقباط - أن تقوم به، و الآخر عليها - و هم معها - ألاّ تكف عن المطالبة به.
بقى أن يكتمل عرض الأزمات بعرض سياقها الذي نشأت فيه، و ليس الهدف هو تبرير الأخطاء بقدر ما هو أمانة السرد و تفسير ما تم ذكره. بمعنى أن الأزمات لم تنشأ لسبب تأصل الشر في الأفراد، و لكن لوجودهم في سياق معين و ظرف تاريخي و مجتمعي يحيط بهم - مع أن هذا لا يعفي من المسئولية.
1- فن صناعة الفراعنة
لا يمكن مناقشة أزمة السلطة في الكنيسة في معزل عن أزمة السلطة في المجتمع المصري و مؤسساته و إلاّ صار هذا ظلماً بيّناً. كلنا نعلم كيف يخضع الشعب لقائده دون نقاش حتى ليكاد يؤلّهه بينما يكثر الشكوى منه في ذات الوقت.
و المقارنة بين السلطة الدينية و المدنية في مصر تكاد تكون متطابقة في هذا الوجه. أضف إلى ذلك "القداسة" التي تحيط برجل الدين في المسيحية، في مجتمع يميل للغيبيات و يصدقها بعد أن يصنعها.
كل هذا ساهم في تأصيل أزمة السلطة في الكنيسة القبطية.
2- الظلم التاريخي
لا ينكر قاريء لتاريخ مصر ما تعرضت له الكنيسة القبطية - و الأقباط - من ظلم تاريخي على مدى عصور عديدة. وهناك عصور اضطهاد كادت أن تودي بالكنيسة المصرية لولا تمسكها بما كانت عليه حتى الدم. هنا يجب أن نتوقف لنرى أثر هذا التاريخ العنيف على الشخصية القبطية في شتى نواحي الحياة. تنشأ من هنا أزمة اغتراب ما في ذلك شك، و ما يتبع الاغتراب من انعزال و انكفاء على الذات.
و في الأذهان أحداث الإسكندرية، و الجرح العميق الذي خلّفته بعد أن كاد حاجز مشاركة الأقباط في الحياة العامة أن ينكسر.
3- الضغط الإسلامي
تخاف الكنيسة على "قطيعها" من تأثير الغالبية الإسلامية، يُنشيء هذا كثيراً من التجمد و التمسك الزائد بتقاليد أقل أهمية من الجوهر.. ربما خوفاً من التنازل الذي يجر مزيداً من التنازل. ربما يصبح الأمر أكثر وضوحاُ إن تساءلنا عن وضع الكنيسة القبطية في بيئات غير إسلامية. في إفريقيا مثلاً - و قد رأيت - تكتسب الكنيسة القبطية حيوية مذهلة، و مرونة رائعة و تواصل حقيقي مع هموم الناس. و تتعاون مع كل العناصر الفاعلة في المجتمع بحرية و ثقة من أجل خدمة الإنسان. و كذا الوضع في أوروبا أيضاً، مما يشير إلى دور مهم لوجود الكنيسة في مجتمع إسلامي تخشى منه و من تأثيره عليها.
4- تاريخ ثقيل
للكنيسة القبطية موروث تاريخي ضخم، من أمجاد و انكسارات. لذل فهي تقف على أرضية تراثية تقليدية صبة. و لكن الجذور أحيناً لا تكون غذاءً بل قيداً!
و قد ذكر مثل هذا الأستاذ جمال البنّا في حديثه عن التراكمات التي تلت الوحي في الإسلام، فهي - كما قال - جبل عظيم مهيب، و لكنه قد يحجب الشمس.
ربما يفيد هنا ذكر مثال الكنيسة الكاثوليكية، و قد استطاعت بحنكة أن توازن بين الجذور و الحداثة في المجمع الفاتيكاني الثاني، بادئةً مرحلة جديدة من التاريخ الكنسي دون أن تفقد جذورها التاريخية.
طبعاً يرتبط هذا بالنقطة السابقة، فالتحديث لا يمكن في وجود "تهديد"، بل مزيد من التمسك بالجذور خوفاً من فقدان الأصول.
5- غياب التنظيم
تغيرت لغة الكنيسة القبطية مرتان، و عُزل الباباوات كثيراً، و مرّت عليها من العصور أقساها، لذا قلّ في تاريخها الاستقرار . و الاستقرار مناخ التنظيم و التأصيل - فالكنيسة القبطية لم يكن أبداً لديها كتاب "كاتشيز" أو تعليم موثق كما لدى الكاثوليك مثلاً، و لا لائحة للرهبان (باستثناء قوانين باسيليوس في القرن الرابع - و هو من الكبادوك)، و نظام لانتخاب البابا، فهي أبداً لم تكن مستقرة بما يكفي كي تفعل - و إن كان استقرارها في العصر الحديث يتيح لها هذا، و قد بدأ بالفعل.
هذه بعض المحاولات للفهم، و لا أدّعي أنها تشمل كل جوانب المشكلة. مجرد وجهة نظر عن أقباط الأزمات و أزماتهم
4 Comments:
this is the best and the most realistic topic for u in the 3 ones. IAM A MUSLIM BUT REALLY I CAN FEEL ALL WHAT U HAVE SAID BUT REALLY LET ME ASK U WHY DONT THE CHRISTIANS IN EGYPT PLAY APART IN RAISING OUR EGYPTIAN MENTALITY AND SOCIETY AND MAKE A COMPROMISE IN IT (LIKE IN THE LEBANON FOR EXAMPLE) WHY I WAS FEEL THAT THEY R TAKING ASIDE AND NOT EFFECTIVE TRYING TO TAKE A BIG ROLE IN SAVING EGYPT FROM WHAT IT HAS REACHED TO (WHENEVER I OPENED A CHRISTIAN SITE AND I READ ONE OF THEIR PROBLEMS ALL THE COMMENT OF COPTS TOWARDS THAT PROBLEM IS THAT WE HAVE TO PRAY AND LEAVE THE PROBLEM IN HANDS GOD ONLY THAT!!!!!!!! BUT DOING ANY THING IN LIFE IS NOT IN THEIR OWN AGENDA (U KNOW THE THING THAT I RESPECT IN ADELY ABADEER IS THAT HE IS TRYING TO DO SOMETHING EVEN IF HIS WAY TO ACHIEVE THE GOAL IS WRONG ) THANK U KEEP IT UP
ترددت كثيرا قبل التعليق على هذا المقال ليس لاختلافي معه ولكن لاتفاقي مع معظم ما جاء به وهذا عادة أصعب عندي في التعليق من الاختلاف :)
ولكنني أعتقد أن هذه السلسلة التي قمت فيها بمجهود كبير لتشخيص أزمة المسيحيين المصريين لابد أن تستكمل بالمقال المنطقي التالي والذي سيلخص كل ما سبق اذا ما كتبت عن طريق الخروج من هذه الأزمة اعتمادا على التشخيص العميق الذي قمت به
واوعى يا دكتور تقوللي انك عليك التشخيص وبس بلاش شغل الدكاترة ده :)
اما للمجهول الذي قام بالتعليق هنا فاود - بعد اذنك - ان اوجه نظره الى مراجعة النقاط من 2-5 التي جاءت في المقال الأخير اذ أرى انها تقدم جزء من تفسير السؤال الذي تساله وهو لماذا المسيحيين منعزلون ولا يشاركون في المجتمع
اما عن الحل فانا معك لا زلت انتظر روشتة الدكتور علها لا تتأخر كثيرا
hiiiii africano IAM THE ANONYMOUS THAT COMMENTED UPWARDS I JUST WANT TO SAY SORRY FOR THE SPELLING MISTAKES I HAVE MADE UPWARDS AS I WAS WRITING TOO FAST AND THANKS TO DARASH I HAVE READ THE PART DIRECTED TO ME THANK U
درش، خايف أقولك فعلاً زي الدكاترة أن العلاج مش عندي :))
فعلاً سأكتب عن العلاج - أو ما أراه كذلك - قريباً لكنني الآن و كما تستطيع أن تتابع مشغول بموضوع فرض نفسه عليّ
أنونيموس: تعجبني آراءك و أود لو أعرف من أنت :)
يمكنك مراسلتي بالبريد الاكتروني
drmina@masrawy.com
Post a Comment
<< Home