Thursday, October 27, 2005

معاً أمام الله




دعوة للصوم، معاً أمام الله...

لنصُم جميعاً - مسلمين و مسيحيين - يوم الآثنين القادم 31/10/2005 من الفجر و حتى غروب الشمس،
و ليكن صومنا المشترك تقدمةً أمام الله من أجل وطننا
عملاً روحياً يجمعنا نقابل به أعمال الكراهية و التفرقة
و لنكسر صومنا معاً، يبحث المسلم عن مسيحي يفطر معه و يفعل المسيحي كذلك

هيا نقف معاً أمام الله من أجل الوطن!

م

Saturday, October 22, 2005

مرارة

"هذا اليوم يوم شدّة و تأديب و إهانة
لأن الأجنّةَ دنَت إلى المولد و لا قوة على الولادة"
(سفر إشعياء - العهد القديم)

إلى الوطن - الذي كان عزيزاً
جرحناك
و لم يكفِنا
فقتلناك
و لا عزاء
للحالمين و الثوّار
و الشعراء!
فلا تغفر ذنوبنا
لأننا لا نفغر
لمن أساء
...
إلى الوطن - الذي كان غالياً
لقد بعناك
و لم يكفِنا
فقسّمناك
و جعلنا قطعَك الكريمة
بضائعَ
للشياطين و المجانين
و الأعداء!
فلا تغفر صفقاتَنا
لأننا لا نعرف - بعدَ البيع-
سوى الشراء
...
و يا أيها الوطن الجريح،
لا نستحق أن نكون
بنيناً لك
فلا تغفر أبداً لنا
قسوتنا و جهلَنا
و لا تُسامح و لا تُصالح
الأغبياء!
...
"الويلُ لأُمةٍ كثرت فيها طوائفها و قلَّ فيها الدين"
(جبران خليل جبران)

Wednesday, October 19, 2005

أقباط الأزمات و أزمات الأقباط - 2

نبقى مع بعض الأزمات الداخلية للأقباط

4- أزمة الأولويات

ماذا يريد الأقباط؟ هل يريدون حقوق المواطَنة الكاملة مثلما يردد "أقباط الأزمات" دائماً و ليذهب الوطن إلى الجحيم بعد ذلك؟ هل هم بالفعل لا يرون من مشاكل في مصر سوى عدم المساواة في بناء دور العبادة أو تولي المناصب العليا؟
أرى مشكلة في ترتيب الأولويات هنا، فأزمات مصر أكبر و تستدعي تحركاً جماعياً على مستوى شعبي واحد يشارك فيه الأقباط بكونهم مواطنين.
بمعنى أن مشكلة عدم جودة الخدمة التعليمية و انهيار مستوى الخدمة الطبية للفقراء مثلاً تقلقني - كمصري و كمسيحي- أكثر من مشكلة إغلاق كنيسة أو عدم السماح ببنائها من الأصل.
ناهيك عن المشكلة السياسية و الفساد المالي و الإداري، إلى آخر مشكلات الوطن التي لا تنتهي. فإذا تحدث الأقباط بعد ذلك عن ما يسمونه مشاكل، فهل يصدق أحد؟
أظن أن الكنيسة و الأقباط بحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات مطالبهم إن كانوا ينوون لعب دور مؤثر في المجتمع المصري


5- أزمة التراث

التراث المسيحي في مصر جبل ضخم يقف خلف الكنيسة القبطية. و لا شك أنه تراث فريدُ و عظيم، و لا شك أيضاً أنه - مثل أي تراث - يحتاج من يعيد النظر إليه و يقيّمه و يضعه قي سياقه الطبيعي.
و لا حاجة لنا هنا لترديد نماذج مما يتعلمه الأطفال في الكنيسة و من الغيبيات التي أقامت امبراطوريات من الثروة في كنائس لم يكن أحد يسمع عنها.
و قد سمعت بنفسي أحد القيادات، و قد عُرض عليه كتابٌ يحوي من الغيبيات و المعجزات ما يتنافى بصراحة مع الإيمان المسيحي، و قد علّق قائلاً "خليهم ياكلوا عيش!"
من مصلحة من أن تبقى الجماهير تحت نير الخرافات و الغيبيات؟ بالرغم من أن معظم القيادات الكنسية اليوم من بين أوساط الجامعيين و المثقفين.
بالتأكيد الكنيسة بحاجة للنظر من جديد إلى تراثها- الذي هو غنيٌ و مقيِّد معاً - حتى تستطيع التحرر من قيود كثيرة و بهذا تسعى لتحرير المجتمع من قيوده

6- أزمة الثروة

من أين تأتي أموال الكنيسة؟ من تبرعات الأقباط و الزوّار. و إلى أين تذهب؟ صمتٌ و لا إجابة!
مفروض أن تذهب لمشاريع البناء و الصرف على الفقراء الذين تعولهم الكنائس. لكن غياب توزيع جيد للثروة و إشراف على توزيعها أدى إلى أوضاع مضحكة و مبكية معاً.
حينما كنت في الصعيد منذ عامين، زرت قرية في غاية الفقر. حتى أن الناس لم يكن لديهم مكان لقضاء حاجتهم، و بينما الدير الذي هو في قلب القري مفروشةٌ أرضيته بالرخام النقي. و الأضحك أنهم كانوا في الدير يطلبون تبرعات لاستكمال البناء!! أية مسيحية هذه التي تحرسها أسوار الدير و تغلق أحشاءها عن الفقراء من كافة الأديان؟
و طبعاً لا مجال لتكرار الكلام عن السيارات الفارهة و المقرات الفخمة التي يسكن فيها القيادات، و لا عن أموال كنائس المهجر التي لا يعلم أحد أين تذهب بينما كنائس في إفريقيا لا تجد ما تقوت به كهنتها و العاملين فيها.
و في رأيي أن شيئاً من المركزية في توزيع الأموال مع إشراف نزيه عليها يضمن إلى حدٍّ ما عدالة في التوزيع حتى بين الأماكن المختلفة داخل أنحاء الكنيسة

يُتبع

Monday, October 17, 2005

أقباط الأزمات و أزمات الأقباط - 1

أقباط الأزمات

بعد شهر تقريباً يُعقد المؤتمر القبطي الثاني في واشنطن لمناقشة "المسألة القبطية " كما أُعلن عنه. و قد وجه الداعون دعوتهم لممثلين عن الحكومة المصرية و كذلك لمثقفين مصريين من مختلف الاتجاهات علّهم يسهمون في بحث الأزمة. و لا أدري لماذا ظهر في ذهني تعبير "أقباط الأزمات"، هؤلاء الذين يبرز دورهم عند الحديث عن المشكلة القبطية ثم يتوارون بعدها حتى يظهرون من جديد مع الأزمات. و ليس الحديث هنا عنهم و لا عن أزماتهم.

تمييز

يخطيء من يظن أن مشكلة الأقباط واحدة، هما في رأيي اثنتان - واحدة خارجية شبع العالم من العويل عليها ( أقصد حقوقهم كأقلية) و الأخرى (و أنا أحسبها أكثر خطورة) داخلية، تجاهلها الأقباط قصداً او سهواً، و لعبت بها الدولة لتأصيل المشكلة الأخرى.
فيصح التمييز بين المشكلتين كما يصح التمييز بين الأقباط و الكنيسة. طبعاً هذا الخلط أيضاً تم استغلاله من كل الجهات المعنية بالمشكلة.

أزمات الأقباط

ما يعنيني هنا هو الأزمات المسكوت عنها لأنها تخص الكنيسة من الداخل. و هي تستحق أن تسير - في مناقشتها و حلّها - جنباً إلى جنب مع ما يسمى بمشكلة وضع الأقباط كأقلية. الأزمات بالتحديد هي أزمات الكنيسة التي تنعكس مباشرةً على الأقباط كأعضاء في هذه المؤسسة.
و كأي مؤسسة من مؤسسات مجتمعنا فقد اصابها ما اصابه، و نعني هنا بتحليل بعض من هذه الأزمات.

1- أزمة السلطة
أوضح ما يظهر من الأزمات الداخلية. السلطة الباقية منذ ثلاثين عاماً دون تغيير - في انتظارالتغيير من الخارج! و الواقع أن السلطة داخل الكنيسة هي -بالتعريف - سلطة أبوية روحية، لذا فقد افتُرض أنها لا تخضع لقواعد الاختيار المتبعة في باقي السلطات. فهي و لا بالانتخاب المباشر و لا بالاستفتاء و لا بأي شكل من الأشكال المعتادة.
و ما يردده البعض أن نظام اختيار البابا بالقرعة الهيكلية هو نظام تقليدي هو أمر خاطيء. فعلى مدار تاريخ الكنيسة القبطية لم يُختر البابا بالقرعة إلا ثلاث مرات، اثنتان منهم هما المرتان الأخيرتان.
و اللائحة المقننة لانتخاب المرشحين قبل تقديمهم للقرعة تم تغييرها أكثر من ثلاث مرات في اقل من خمسين سنة حتى توائم الأوضاع المطلوبة وقتها.
إذاً القاعدة أنه لا قاعدة! و لا انتقال مقبول للسلطة في الكنيسة كما رأينا مثلاً في الفاتيكان منذ شهور.
ثم ماذا عن تحديد صلاحيات من في السلطة؟ لا لوائح و لا قوانين بل سلطات مطلقة في يد فرد واحد لا ينتخبه الشعب و لا يملكون حق تغييره إن ارادوا!
يبدو مشهد السلطة الكنسية اليوم في مصر كأحد مشاهد البابوية الكاثوليكية في العصور الوسطى من حيث سلطان الرجل الأوحد و تحكمه في مقاليد الأمور حتى و إن لم يوجد ملوكٌ يتوجهم أو يخلعهم.

2- أزمة مراكز القوى
و هي بالطبع تتبع أزمة السلطة و متصلة بها!
فمع مرور الوقت تكون حول البابا مراكز قوى تفصله عن الشعب و عن واقعه. مراكز مصلحتها في بقاء الأوضاع هكذا (هل تجد تشابهاً ما مع الواقع العام في مصر؟) و لأن قوانين الكنيسة تضع أمر اختيار الأساقفة (و هم من يقودون قطعاً جغرافية تسمى إيبارشيات) في يد البابا وحده، فقد تأكد أن معظمهم ممن يوالونه أو يتبعونه.
و الأسقف باليونانية "أبيسكوبوس" أي الناظر من أعلى، أي الذي يرعى الشعب من وضع كهنوتي فوقي.
و قد استفحل سلطان البعض منهم، و مع تقدم السن بالبابا أصبح منهم من يسيطر على الأمور و يتحكم في شئون الكنيسة بلا أي سند قانوني ولا شعبي.
و الأمثلة لا تنقص المتابع، و لعل أحداث المحلة مازالت في الذاكرة.

3- أزمة الاغتراب عن الإسلام
لا يعرف أقباط مصر الكثير عن الإسلام إلا من خلال الكنيسة و وسائل الإعلام. و كلاهما معرفة نظرية بلا اختبار! يسأل الطفل في أول وعيه بالدين سؤالاً طبيعياً "هل يدخل المسلمون السماء مثلنا؟" و لا يجيبه أحدٌ في أحسن الظروف. و قد يسمع إجابات مغايرة من أناس معظمهم لا يعرفون عن الإسلام و المسلمين شيئاً كبيراً
ثم يكبر مغترباً عن دين غالبية المصريين، و في المدرسة ينفصل عنهم في حصة الدين. ثم في الجامعة لا يخالطهم، و في العمل يتعامل معهم في أضيق الحدود! هكذا يقضي عمره داخل وطن هو غريب عنه
و أزعم أن الكنيسة مسئولة بشكل ما مع الدولة عن هذا الوضع الذي يحكم سيطرتها على رعاياها. و مع غياب تعليم كنسي واضح بخصوص الإسلام يبقى الأمر ملتبساً، فلا نستطيع أن نرصد موقفاً واضحاً للكنيسة تجاه الدين الإسلامي لاهوتياً و بالتالي فالصمت المتواطيء هو الإجابة التي غالباُ ما تمرر رسالة عزلة و كراهية.
و يبقى الاغتراب أحد أهم أزمات الأقباط التي يجب التعامل معها جنباً إلى جنب مع أزمة حقوقهم المنقوصة
يُتبع

Monday, October 10, 2005

احتجاج

مهداة إلى محمد


الخبرتتحدث عنه د.سحر الموجي في "المصري اليوم" في صفحة "مساحة رأي"
بالتأكيد علامة رجاء تستحق وقفة للتفكير و التأمل

"أضرب أطباء مستشفى الزقازيق العام عن الطعام منذ يوم 26 سبتمبر يأساً من استمرار تدني الخدمة الطبية المقدمة للمرضى بسبب الفساد المالي و الإداري من قِبَل المستشفى"

ثم تصف بعد ذلك ما المقصود بالخدمة الطبية المتدنية بشيء من التفصيل .و هو ما نراه و نعيشه كل يوم في المستشفيات العامة : وضع متدنٍ بالفعل لا يمكن إرجاعه -للأسف- إلا لعجز المرضى الفقراء عن توفير علاج بديل .

فهل يا ترى إضراب الأطباء -عن العمل و ليس عن الطعام - يمكن أن يغير شيئاً في سياسة الدولة تجاه القطاع الصحي؟
هل هي تجربة يمكن تعميمها؟
هل يمكن أن تتبناها النقابة مثلاً؟ أم تقوم على مبادرة ذاتية؟
و أي قطاع من الأطباء سوف يكون أكثر تأثيراً حالَ إضرابه؟
و كيف يمكن إقناع الأطباء بجدوى هذا الإضراب - إذا افترضنا تعميمه؟

Sunday, October 02, 2005

حوار

هذه تدوينة متأخرة أسبوعان، كتبتها ثم نسيتها. و ذكّرني بها ما كتبه جار القمر بعنوان جنون.
و هي عن شخص أحبه جداً ، أولاً لعلاقة شخصية عزيزة بيننا و ثانياً لأنه أحد الشخصيات الفذّة التي تعيش في عصرنا الحالي و أحد قليلين ما زالوا يعيشون الإخاء الديني بالفعل، بتلقائية بعيدة عن اللحى المتعانقة و الأيادي المتشابكة



منذ أسبوعين احتفل الأب كريستيان فان نسبن اليسوعي بمناسبة مرور 50 عاماً على رهبنته
أدعوكم لقراءة هذا الحوار معه، نقلاً عن جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 16/8/2004

مقدمة

يقف الأب كريستيان فان نسبن موقفاً متفرداً، فهو ليس مجرد رمز من رموز الحوار الاسلامي ـ المسيحي، عبر موقعه كراهب هولندي الأصل يتبع رهبنة الآباء اليسوعيين، ولكن بالأساس لأنه يعيش في مصر منذ مجيئه اليها عام 1962، جامعاً بين خبرة كنيسته الكاثوليكية الأوروبية في الحوار الاسلامي ـ المسيحي، وبين خبرة المعايشة مع أبناء «وطنه» الجديد في مصر، والتي اختارها لاقامته الدائمة، وبين تجربته في دراسة الفلسفة الاسلامية في كلية الآداب، جامعة عين شمس، حيث انتظم في الدراسات العليا في قسم الفلسفة، ثم أكمل دراسته للفلسفة الاسلامية في جامعة «السوربون» في فرنسا، ونال درجة الدكتوراه حول «تفسير المنار للقرآن الكريم للشيخ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا»، والأب كريستيان منخرط تماماً في النشاط الاجتماعي والثقافي في مصر، فبالاضافة الى عمله أستاذاً للفلسفة في كلية العلوم الانسانية واللاهوتية في القاهرة، فهو يشغل منصب العضو الاستشاري للجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة، وعضو لجنة الفلسفة والديانات في مكتبة الاسكندرية، وعضو الجمعية الفلسفية المصرية، وعضوية جمعية «الاخاء الديني» التي يقول عن نشاطه فيها: انه الأقرب الى قلبه، هذه الرحلة الغنية، بخبراتها المركبة، يرصدها الأب كريستيان في كتابه الأخير «مسيحيين ومسلمين، اخوة أمام الله»، والذي صدر باللغة الفرنسية العام 2003، ويجري اصدار نسخته العربية عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، وربما يلخص الاهداء الذي يتصدر هذا الكتاب عمق الفهم الروحي والانساني للأب كريستيان، فهو يكتب: «لذكرى محمود رجب، أخي في الله، كانت صداقته ينبوعاً لهذا الكتاب»

نص الحوار

مسافة بعيدة تفصل بين عمل المستشرق عن حياة الراهب، بالنسبة لك، كيف تنظر الى الحدود الفاصلة بين المجالين في تجربتك؟

بالنسبة لي، فأنا أبعد ما أكون عن صفة المستشرق، الاستشراق يعني: النظر الى الشرق من الخارج، وهو ما لا ينطبق على طبيعة رحلتي ودوري، أنا أنتمي لهذه المنطقة وخصوصا مصر، صحيح أنا لست مصري الأصل، لكنني صرت منتمياً لها، أما بالنسبة للاستشراق، فهو ليس حالة نمطية ثابتة، فهناك العديد من أنواع الاستشراق، وهو باعتباره ظاهرة علمية تهدف لدراسة العالم الاسلامي عموما، والعالم العربي الاسلامي خصوصا، كان دائماً محل تشكيك، مابين رؤيته، باعتباره نشاطاً علمياً خالصاً ينصب على الشرق، وبين رؤيته كمجرد «مؤامرة»، وفي كلتا الحالتين ينبغي تجنب التبسيط والتعميم، فالى جوار الدراسات المهمة ذات الطبيعة العلمية لموضوع الشرق والتي أنجزها مستشرقون، كان هناك نوع آخر من الاستشراق يسعى لخدمة السيطرة والهيمنة الاستعمارية، وعموما فالدراسات الاستشراقية، مثلها أي نوع آخر من الابحاث التي يجري انجازها تحت لافتة ما يسمى بالدراسات، قد تكون مدفوعة بأغراض غير البحث العلمي الخالص، بل لخدمة أغراض معينة، دائما ما تكون هناك غاية ما للبحث العلمي، والمهم كيف يجري توظيف المعرفة المحتملة لهذه الأبحاث، هل يجري توظيفها لخدمة التفاهم بين البشر، أم للإضرار بقيمهم الانسانية المشتركة.

كثيراً ما يجري الربط بين الاستشراق والاستعمار بالتبشير المسيحي، كيف ترى تأثير هذا الربط على طبيعة الحوار الاسلامي ـ المسيحي؟ـ

لا شك أن هذا الربط يؤثر على طبيعة الحوار المسيحي ـ الاسلامي، لذلك أحب أن أوضح ما في كلمة «تبشير» من التباس، اذ يجري فهم التبشير المسيحي، باعتباره مجرد دعاية لدين على حساب دين آخر، ولكنني أراه أقرب لمفهوم الشهادة منه لمفهوم الدعاية، كلمة دعاية تصلح للتعبير عن الترويج لأفكار حزبية، بهدف جذب أفراد لصالح حزب ما ضد أحزاب أخرى، وهو معنى فقير وضيق، وان كان يلائم المجال السياسي، فهو لا يليق بالمجال الديني، أما الشهادة فهي فهم مختلف تماما، لأن لكل دين شهادته، وبهذا المعنى فالشهادة التي يوفرها الدين للمؤمن لا تتضمن معنى الدعاية، فكل يعيش ايمانه، وحياته نفسها هي شهادة على هذا الايمان، والايمان الحق لا يؤدي بالضرورة الى استبعاد الحقيقة عن ايمان الآخرين، وبهذا المعنى، فحوار المسلمين والمسيحيين انما هو شهادة متبادلة، نبيلة ومحترمة، لا يجوز لها أن تكون دعاية دين ضد آخر والا افتقد الحوار معناه، فأصحاب الحوار هم معاً في شراكة كاملة أمام الله وبحضور الله.

لماذا اخترت التخصص في دراسة الفلسفة الاسلامية، أو ما الذي كان يريده الراهب اليسوعي من اختيار الحياة في الشرق ودراسة الفلسفة الاسلامية؟

ــ لقد جاءت خبرتي الشخصية في العلاقة مع الشرق الاسلامي من خلال رهبنة الآباء اليسوعيين التي انضممت اليها العام 1955 بعد انهاء تعليمي الثانوي، فلقد تيسر لي اكتشاف رحلتي الخاصة عبر الالتزام الرهباني، فالتحقت بهذه الرهبنة المنتشرة في معظم أنحاء العالم، كنت على استعداد للخدمة في أي مكان، وسوف يدهشك أن أذكر لك أنني كنت أتمنى الخدمة في اندونيسيا، التي حلمت بالسفر اليها منذ كنت طفلاً صغيراً، ولكن حلمي هذا لم يتحقق الا وأنا في الستين من عمري، حين اشتركت في أحد المؤتمرات، في عام 1960 سافرت الى لبنان، وأقمت هناك لمدة سنتين، وفي لبنان تعلمت اللغة العربية والثقافة العربية الاسلامية، وكانت دراسة ممتازة وكثيفة، ومع تعلمي اللغة العربية تعلمت كيف تكون اللغة طريقاً لفهم الآخر والتعلم من قيمه وثقافته، وليست مجرد وسيلة لتوصيل الأفكار، لقد أتاحت لي هذه الدراسة قراءة العديد من نماذج الأدب العربي القديم والحديث، بل وحفظ نماذج من الشعر الجاهلي ومن الشعر المعاصر، اضافة الى دروس الترجمة من الفرنسية الى العربية والعكس، ولما قررت اكمال دراسة الفلسفة اخترت الفلسفة الاسلامية، جئت لمصر العام 1962، وما أن دخلت مصر حتى دخلت مصر في قلبي ودمي بثقافتها وحضارتها والعشرة الطيبة لأهلها، وتحديداً في قسم الفلسفة في جامعة عين شمس، بدأ احتكاكي الحقيقي بالاسلام عبر تعاملي مع المسلمين، حيث قابلت هناك صديق عمري محمود رجب، كان حينئذ معيداً في القسم ويزاملني في الدراسات العليا، ولقد استمرت صداقتنا حتى وفاته في عام 2002، وأنا اليوم أدرك أن دراستي للفلسفة والحضارة العربية الاسلامية قد مرت عبر علاقاتي بالأشخاص، وهو ما رصدته في كتابي «مسيحيين ومسلمين: اخوة أمام الله»، ان دراسة دين ما هي شيء يختلف عن دراسة الفلسفة، فلا يشترط لكي أدرس فلسفة معينة أن تربطني علاقة بأشخاص ينتمون لهذه الفلسفة، بينما ينبغي أن تمر دراسة دين ما عبر المؤمنين به، لأن الدين هو أساساً تعبير عن موقف ايماني، موقف علاقة بالله، وبالتالي فلا يمكن معرفة دين آخر من غير معرفة ناس مؤمنين ينتمون لهذا الدين، وكيف ينعكس ايمانهم على حياتهم.

تميز في كلامك بين المعرفة النظرية بدين ما، وبين المعرفة المباشرة عبر الاحتكاك بالمؤمنين بهذا الدين، كيف تبلورت معرفتك بالاسلام والمسلمين عبر رحلتك؟

ـ كانت معرفتي النظرية الأولية بالاسلام من خلال دراسة رموز الفلسفة العربية والاسلامية مثل ابن رشد وابن سينا وغيرهما، وتأثيرهم على فلسفة العصور الوسطى الأوروبية، فضلاً عن فكرة بسيطة عن أساسيات الاسلام، وفكرة موضوعية، نوعا ما، عن أهمية الاسلام والحضارة الاسلامية بالمعنى الثقافي؛ ولقد تأثرت كثيراً بمعرفتي بمحمود رجب، التي صارت صداقة ممتدة منذ تعرفي به، وهي صداقة امتدت لأسرته التي تعاملت معي كواحد من العائلة، ولقد كان أبوه الشيخ رجب، الذي أنهى حياته الوظيفية مديراً للمعاهد الأزهرية في القاهرة، يعيش ايمانه من دون أي تعصب وبلا أدنى تظاهر، وبأقصى قدر من صدق المشاعر الانسانية، وكان الشيخ يقدمني للآخرين بوصفي أخا لمحمود، وأذكر في سنة 1966، حينما كنت أتأهب للسفر الى فرنسا لدراسة اللاهوت، أن طلب الشيخ رجب من ابنته فاطمة، وهي مازالت صديقة غالية، وكانت تدرس، حينئذ، في كلية الفنون الجميلة، أن ترسم لوحة تكون هديتهم لي في مناسبة سفري، ورسمت لوحة جميلة للعذراء تحمل ابنها، كانت هذه الهدية، بالنسبة لي، رمزاً لعلاقة مستمرة بهذه العائلة، ولاشك أن هذه العلاقة الانسانية التي ربطت بيني وبين عائلة الدكتور محمود رجب، هي مثال لصداقات أخرى كثيرة مع مسلمين جعلتني، كما قلت من قبل، اكتشف وأتفهم الموقف الايماني في الاسلام.


بحكم التخصص في الدراسات الاسلامية، ما الدور الذي تراه قريباً الى نفسك؟

ـ أنا أتصور أن التفاهم يتطلب فهماً، وعندما انصرف تركيزي الى دراسة الفلسفة الاسلامية، وخصوصا الفكر الحديث، وهو التخصص الذي نلت عنه درجة الدكتوراه، كان الهدف فهم وتفهم الثقافة والفكر والايمان الاسلامي، وهكذا صار الاسلام والمسلمون جزءا من الأنا الشخصية التي تخصني، وهو مفهوم يختلف عن الذوبان، وانما هو أقرب لمفهوم الوحدة في الاختلاف، ولقد اخترت من ذلك ما ساعدني كثيرا على تعميق التفاهم، ومع الوقت اكتشفت أن دوري هو صنع الجسور بين الناس، بين المسلمين والمسيحيين، بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية، وعموماً بين حضارات وثقافات وأشخاص مختلفين، فحيث يوجد اختلاف أجد دوري في مد جسور للعلاقة والاتصال، فلكي يكون الواحد جسراً حقيقياً يربط بين ضفة وأخرى، يجب عليه أن يبذل جهداً حقيقياً.

بحكم موقعك، كيف ترى علاقة المسلمين والمسيحيين في مصر، وهل حدثت تغيرات في السنين الأخيرة ؟

ـ علاقة المسيحيين والمسلمين في مصر تجربة متفردة، لأنها علاقة مشاركة في وطن حقيقي واحد منذ بداية انتشار الاسلام الى الآن، ولقد أنضجت هذه العلاقة المتفردة تحديات واختبارات ومعاناة، ومن المؤكد أنها قد تأثرت بالمتغيرات القوية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي حدثت منذ سبعينات القرن الماضي، لكن مثل هذه العلاقة العريقة تستطيع أن تبقى حية على الرغم من كل المؤثرات، ونتيجة للغنى العميق الذي يميزها، وهذا لا يعني أن نأخذ هذه العلاقة كقضية مسلم بها تتحرك بشكل آلي، انها علاقة تبلورت عبر الممارسة والحياة اليومية والهموم المشتركة، وهي تحتاج دائماً، وخصوصا هذه الأيام، للتجديد من أجل اعادة الحياة الحقيقة لها، من خلال الأساس القوي والارث التاريخي المشترك الذي يتأسس عبر مفهوم الوحدة في الاختلاف.

Saturday, October 01, 2005

رحيل

يا ريته ماكان فيه مراكب
يا ريته ما كان فيه سفر
[من أغنية لفيروز]

م

"أسافر غداً
و أسمع أنا بدون اهتمام
كأني أعتدتُ خبرَ الرحيل
كأن الرحيل مصير محقق
أو التزام!

لماذا الفراشات دوماً ترحل
قربَ الشتاء؟
لماذا الفراشات دوماً تطير
نحو السماء؟

"أسافر غداً"
و أسمع أنا بدون اهتمام
كأني رأيتُ الرحيلَ قبلاً
أو عشتهُ
من ألف عام!

لماذا الفراشات دوماً تهاجر
بدون انتظار؟
لماذا الفراشات حتماً تسافر
بدون اختيار؟


--