من رواندا للمهندسين
مصادفةٌ جعلتني أشاهد فيلم "فندق رواندا" في نفس الأسبوع الذي حدثت فيه المأساة السودانية الأخيرة.
في المرتين صدمني الحدث، و صدمني أكثر ردود أفعال المصريين تجاهه...
عام 1994، قامت ميليشيات قبائل الهوتو بحرب إبادة جماعية ضد قبائل التوتسي في كيجالي عاصمة رواندا. وقتها -أتذكر أن الأنباء كانت تصل لنا في مصر عن المليون قتيل الذي ذُبحوا و ألقيت أجسادهم في منابع النيل.
كان النقاش الذي احتدم في القاهرة بعد وصول الأنباء هو عن خطورة الشرب من مياه النيل عقب إلقاء الجثث فيه. النيل نفسه الذي نغسل فيه بهائمنا و أوانينا و نقضي حاجتنا الطبيعية فيه...
في المرتين صدمني الحدث، و صدمني أكثر ردود أفعال المصريين تجاهه...
عام 1994، قامت ميليشيات قبائل الهوتو بحرب إبادة جماعية ضد قبائل التوتسي في كيجالي عاصمة رواندا. وقتها -أتذكر أن الأنباء كانت تصل لنا في مصر عن المليون قتيل الذي ذُبحوا و ألقيت أجسادهم في منابع النيل.
كان النقاش الذي احتدم في القاهرة بعد وصول الأنباء هو عن خطورة الشرب من مياه النيل عقب إلقاء الجثث فيه. النيل نفسه الذي نغسل فيه بهائمنا و أوانينا و نقضي حاجتنا الطبيعية فيه...
المهم أن الجميع كان قلقاً على صحة المصريين - أو هكذا بدا وقتها - و لم يُسمع صوت واحد يتحدث عن شعب رواندا و لا عن المأساة الإنسانية التي كانت تحدث أمام سمع و بصر العالم أجمع.
لم يلاحظ أحدٌ تجاهل الدول الكبرى للمأساة، و لم يطالب أحدٌ مصرَ أن تقوم بدور إيجابي لإيقافها. مصر التي ينظر لها الأفارقة - كما حكى لي من قابلتهم في كينيا و السودان - على أنها منارة إفريقيا، و صوتها المسموع و مثالها.
لم يحركنا دافع سياسي و لا إقتصادي - و بالطبع - و لا إنساني! و بدا كأن إفريقيا بالنسبة لنا أراضٍ مجاورة، نستحي منها، و نضطر للتعامل معها لأن النيل ينبع من هناك. و بدا كأن لا شيئاً آخرَ يعنينا في المأساة سوى صحتنا - التي ظهر فجأة أنها تهمنا.
أواخر عام 2005، يعتصم مجموعة من اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود بالقاهرة. كان وضعهم القانوني قد أصبح خاطئاً عقب توقيع اتفاقية السلام في السودان مما انتفى معها سبب اللجوء كما قالت مفوضية اللاجئين. لكنهم لم يستطيعوا العودة لبلادهم؛ كذلك لم تستطع - أو لم تُرد؟- مصر توطينهم.
طال الاعتصام ثلاثة أشهر حتى قررت السلطات المصرية إنهاءه كما شاهدنا و قرأنا في تغطيات المدونين المتميزة.
كانت الحادثة بعد أكثر من عشرة أعوام من حادثة رواندا؛ لكن ردور أفعال المصريين لم تختلف كثيراً... صدمة و اندهاش أصاباني عندما قرأت و سمعت ما يقوله الناس، و اقرأ معي و تعجب:
"كويس كدة! دول كاموا بيجيبوا أمراض في الميدان علشان هم مش نضاف"
(كأن صحتنا تهمنا مرة أخرى!)
" تتصور.. كانوا بيمارسوا حياتهم الطبيعية عادي في وسط الميدان"
(كأنهم يستمتعون بإذاعة مشاهدهم الخاصة على هوائنا البارد!)
"ريحة الميدان كانت وحشة؛ دول كانوا بيتبولوا في الشارع"
(اعبر تحت أي كوبري في القاهرة لترى عمّ ينكلمون!)
" تشويه سمعة مصر... منظر غير حضاري"
"شكل الميدان... شكل مصر... بلا بلا بلا بلا...."
لم ننضج بعد إذاً!! و لم نستطع أن نتوقف لنفهم أبعاد المأساة إنسانياً، و لم نتفاعل معها على هذا المستوى.
حتى على المستوى السياسي فشلنا في استيعاب الموقف و تعاملنا معه بمنطق "العسكر و حرامية" فبدا للعالم أن مصر جسدٌ بلا عقل، لا تستطيع إدارة أزماتها بدون جهاز الأمن، و لا تستطيع تحمل مسئوليات إنسانية - ربما لأن الشعب لا يدرك معنى "الإنسانية".
ربما لا يدرك الناس أن هذا النظام الذي تعامل مع أشقائهم السودانيين من منطلق أنهم مجرمين مطلوب تأديبهم، سيجيء اليوم الذي يتعامل فيه معهم بذات المنطق - و قد رأوا قبلاً و لكنهم على ما يبدو لا يفهمون!
في نفس السياق:
أصداء
ع.ن.ص.ر.ي.ة
أين يذهب اللاجئون السودانيون
لم يلاحظ أحدٌ تجاهل الدول الكبرى للمأساة، و لم يطالب أحدٌ مصرَ أن تقوم بدور إيجابي لإيقافها. مصر التي ينظر لها الأفارقة - كما حكى لي من قابلتهم في كينيا و السودان - على أنها منارة إفريقيا، و صوتها المسموع و مثالها.
لم يحركنا دافع سياسي و لا إقتصادي - و بالطبع - و لا إنساني! و بدا كأن إفريقيا بالنسبة لنا أراضٍ مجاورة، نستحي منها، و نضطر للتعامل معها لأن النيل ينبع من هناك. و بدا كأن لا شيئاً آخرَ يعنينا في المأساة سوى صحتنا - التي ظهر فجأة أنها تهمنا.
أواخر عام 2005، يعتصم مجموعة من اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود بالقاهرة. كان وضعهم القانوني قد أصبح خاطئاً عقب توقيع اتفاقية السلام في السودان مما انتفى معها سبب اللجوء كما قالت مفوضية اللاجئين. لكنهم لم يستطيعوا العودة لبلادهم؛ كذلك لم تستطع - أو لم تُرد؟- مصر توطينهم.
طال الاعتصام ثلاثة أشهر حتى قررت السلطات المصرية إنهاءه كما شاهدنا و قرأنا في تغطيات المدونين المتميزة.
كانت الحادثة بعد أكثر من عشرة أعوام من حادثة رواندا؛ لكن ردور أفعال المصريين لم تختلف كثيراً... صدمة و اندهاش أصاباني عندما قرأت و سمعت ما يقوله الناس، و اقرأ معي و تعجب:
"كويس كدة! دول كاموا بيجيبوا أمراض في الميدان علشان هم مش نضاف"
(كأن صحتنا تهمنا مرة أخرى!)
" تتصور.. كانوا بيمارسوا حياتهم الطبيعية عادي في وسط الميدان"
(كأنهم يستمتعون بإذاعة مشاهدهم الخاصة على هوائنا البارد!)
"ريحة الميدان كانت وحشة؛ دول كانوا بيتبولوا في الشارع"
(اعبر تحت أي كوبري في القاهرة لترى عمّ ينكلمون!)
" تشويه سمعة مصر... منظر غير حضاري"
"شكل الميدان... شكل مصر... بلا بلا بلا بلا...."
لم ننضج بعد إذاً!! و لم نستطع أن نتوقف لنفهم أبعاد المأساة إنسانياً، و لم نتفاعل معها على هذا المستوى.
حتى على المستوى السياسي فشلنا في استيعاب الموقف و تعاملنا معه بمنطق "العسكر و حرامية" فبدا للعالم أن مصر جسدٌ بلا عقل، لا تستطيع إدارة أزماتها بدون جهاز الأمن، و لا تستطيع تحمل مسئوليات إنسانية - ربما لأن الشعب لا يدرك معنى "الإنسانية".
ربما لا يدرك الناس أن هذا النظام الذي تعامل مع أشقائهم السودانيين من منطلق أنهم مجرمين مطلوب تأديبهم، سيجيء اليوم الذي يتعامل فيه معهم بذات المنطق - و قد رأوا قبلاً و لكنهم على ما يبدو لا يفهمون!
في نفس السياق:
أصداء
ع.ن.ص.ر.ي.ة
أين يذهب اللاجئون السودانيون
11 Comments:
أولاً كل سنة وأنت طيب
ثانياً عايز أشوف الفيلم
يا أفريكانو ماهو النظام فعلاً بيتعامل معاهم بنفس المنطق
ورغم كدة مافيش فايدة
في المظاهرة بتاعة يوم الخميس الناس إللي واقفة بتتناقش عمالة بتدافع عن موقف الشرطة المصرية، كأن الشرطة المصرية دي غريبة عنهم مثلاً
أنا مش فاهمة إحنا أغبياء ولا بنستهبل
و أنت طيب يا غاندي... فينك؟؟؟
الفيلم موجود عندي ، ممكن نشوفه سوى بعد ما أخلص إمتحاني الأسبوع القادم
سقراط: إحنا بنستهبل!
م
By coincidence, I just finished downloading the movie today. I didn't see it yet, but I'm going to watch it soon. What really bothers me about this whole situation that known of the concerned parties, including the UNHCR, could really try to understand the refugees problem, fears, and needs. All what they were trying to do is to end the crisis in way that seems politically righteous.
i'm not going to defend the UNHCR, but my dad's cousin used to work in the refugees commitee and passed one year in egypt (about 10 years ago), and there r more problems than just this, and really they do a lot of things, not just in egypt but elsewhere, maybe they could do more, but they don't neglect everything.
سلاموا عليكم يا دكتور
ادعوك لمشاهدة فيلم ل توم هانكس بيعبر عن نظرة الشعب الاميركي للملونيين و مواطني دول الاتحاد السوفيتي السابق
فيلم اكثر من رائع
بجد انا بحب الفيلم ده جدا the terminal
شاهد العيان: دايماً منور المدونة... من فضلك شاهد الفيلم و اخبرني عن رأيك؛ أنا شخصياً لم أكن أعرف كل هذه المعلومات عن الأزمة قبل مشاهدته، طبعاً بالإضافة لحرفيته الفنية العالية
فروجي: لا أظن الأمر بههذ البراءة، هذه المنظمات أكيد لها حسابات و توجهات و علاقات مع الدول الكبرى تدخل ضمن قراراتها
نهَى: أشكرك على تعليقك. بالمصادفة شاهدت الفيلم الذي تقصدين من أسبوع (كان عُرض أثناء امتحاناتي العام الماضي و لم أتمكن من مشاهدته و قتها) فعلاً أعجبني جداً جداً
أولا كل سنة وانت طيب ثانيا أنا كمان تعجبت جدا من ردود أفعال الناس ومدى مضايقتهم من قتل الضباط المصريين ذوى الأخلاق الحميدة اللذين ضربوا السودانيين دفاعا عن أنفسهم فقط لأن السودانيين هم اللذين بدءوا بالضرب ... لا تعليق
Africano, I watched the movie. I've no comment more than I was hardly reacting with the world round for the rest of the day after I watched it. It is one of the best and one of the worst, I was very touched by the whole movie but mostly with the scene when the UN forces is splitting the people into White and Black, or Europeans and Africans...Saving the white leaving the black to face their destiny. By the way there is documentary telling more about that dark spot of history, whenever I've a lint to it, I gonna sent it for you.
Eyewitness
وصفتَ مشاعري عند مشاهدة الفيلم
من فضلك لا تتأخر علىّ في الفيلم الوثائقي
Africano I'd sent you a mail today concerning the documentary movie, but I got a failure delivery reply. Just write me a mail on my email address the.eyewitness@gmail.com and I'm going to send it again for you.
Post a Comment
<< Home