رعاية
مافيش أمل
أردد في ذهني بينما أعود كل يوم من عملي في وحدة العناية المركّزة. اليوم تنتهي مدّة عملي هناك، و لذا أكتب بعض اللقطات لأنقل الصورة كما هي. و بلا تعليق إلا في أضيق الحدود
1
أعمل ايام العيد... بالطبع الموظفون غائبون، فهي إجازة رسمية. لكن دفاتر الحضور و الانصراف موجودة دائماً. أسأل قبل العيد: "هل نوقّع ايام العيد؟" و يجيبني أحدهم بلا مبالاة: "طبعاً يا دكتور، مواعيد العيد زي مواعيد قبل رمضان" أضحك في سري، فإن كان رمضان مواعيده أخف من باقي العام فالأولى أن تكون مواعيد العيد مثله إن لم تكن أخف. على أي حال لا تفرق معي مواعيد رمضان ولا شعبان، أحرص أن أجيء في موعدي لأنني أعتبر نفسي طبيباً لا موظفاً.
2
صباح أول أيام العيد، و أنا مازلت مريضاً بالبرد اللعين. أوقّع في الدفتر بينما يزجرني الجالس على المقد بنظرة شرسة. "ماينفعش كدة!"
- ما ينفعش إيه؟
- ما ينفعش تفضل عيان و أنت في الرعاية
أندهش من المنطق - حتى رفاهية المرض لا أنالها في مستشفاهم اللعين! -
- آسف، المرة الجاية مش هاعيا
...
منتصف النهار، معدل الوفيات رهيب و لا أستطيع تبين سبب مباشر.في الرعاية نقوم بإسعاف القلب و الرئة للمرضى الذين يتوقف نبضهم، نقوم بالإسعاف لمدة عشرين دقيقة فإذا لم تحدث استجابة نقرر الوفاة. ألاحظ تردد "الموظف" الذي وقعت عنده في الصباح على أسرة الحالات الحرجة
- فيه حالات "اريست" يا دكتورة؟
يقصد cardiac arrest أي توقف القلب
ترد عليه النائبة أن هناك حالتَين متوقعتين في أي لحظة
- طيب ياللا افصلي الجهاز عنهم و خلاص!
أسألها: من هذا الشخص؟ و ما سلطانه الذي يُدخله العناية المركّزة بلا استئذان بل و يمر على المرضى؟!!
تجيبني في بساطة : (و كأنني كان المفروض أن أعلم) ده الحانوتي!
3
اتضح أن الموظفين - و هم لا يعملون في العيد - قد عهدوا بدفاترهم و بمفاتيح المستشفى للحانوتي. فهو بالطبع يعمل حتى في العيد و متواجد دائماً بقرب الرعاية لكثرة الطلب عليه.
(أقرأ في كتابٍ معي أن الرعاية لا بد أن تكون بجانب معمل و بنك للدم و غرفة عمليات - هذا في إنجلترا - في مصر يجب أن يكون الحانوتي متوفراً حتى لو كان بنك الدم على بعد أكثر من كيلومتر يستوجب عبور النيل!)
4
شك النوّاب في إصابة إحدى المريضات بالاتهاب السحائي (الحمّى الشوكية). و حين اتصلنا بالأستاذ المسئول عن الرعاية أخبرنا أنه إن صحّ الافتراض فإنه يجب إرسال المريضة لمستشفى الحمّيات و إغلاق الرعاية لتعقيمها لمدة ثلاثة أيام.
اتصلنا بمستشفى الحميات، فردّ علينا النائب النوبتجي بأن هذه المريضة تتطلب العناية المركزة و أنه لذها يجب عليها أن تدفع 750 جنيهاً نظير هذا. كان أهل المريضة قد اختفوا منذ الصباح بعد أن علموا بإصابتها و لم يظهروا بعد ذلك!
طبعاً النائب لم يكتب ما قال بل كتب ببساطة أنه لا توجد لديه أماكن بالمستشفى.
أما مدير المستشفى التي نحن فيها فقد اهتم بالأمر جداً حتى أنه امر بصرف "ريماكتان" و هو دواء الحمى الشوكية مجاناً لجميع العاملين بالرعاية!! و نصحنا باستخدام الكمامات عند التعامل مع المريضة، كما وعد بتقديم شكوى في نائب مستشفى الحميات ثم ترك العناية المركزة بأسرع خطوة ممكنة.
في النهاية لم يفعل أحد شيئاً، حتى قررنا نحن أن نرسل المريضة إلى الحميات بسرعة خوفاً على باقي المرضى و بالفعل قمنا بهذا. الطريف أن حالات الحمى الشوكية ظهرت في اليوم التالي و أظن أنها تستمر في الظهور طالما لا إجراءات حقيقية تتخذ.
أردد في ذهني بينما أعود كل يوم من عملي في وحدة العناية المركّزة. اليوم تنتهي مدّة عملي هناك، و لذا أكتب بعض اللقطات لأنقل الصورة كما هي. و بلا تعليق إلا في أضيق الحدود
1
أعمل ايام العيد... بالطبع الموظفون غائبون، فهي إجازة رسمية. لكن دفاتر الحضور و الانصراف موجودة دائماً. أسأل قبل العيد: "هل نوقّع ايام العيد؟" و يجيبني أحدهم بلا مبالاة: "طبعاً يا دكتور، مواعيد العيد زي مواعيد قبل رمضان" أضحك في سري، فإن كان رمضان مواعيده أخف من باقي العام فالأولى أن تكون مواعيد العيد مثله إن لم تكن أخف. على أي حال لا تفرق معي مواعيد رمضان ولا شعبان، أحرص أن أجيء في موعدي لأنني أعتبر نفسي طبيباً لا موظفاً.
2
صباح أول أيام العيد، و أنا مازلت مريضاً بالبرد اللعين. أوقّع في الدفتر بينما يزجرني الجالس على المقد بنظرة شرسة. "ماينفعش كدة!"
- ما ينفعش إيه؟
- ما ينفعش تفضل عيان و أنت في الرعاية
أندهش من المنطق - حتى رفاهية المرض لا أنالها في مستشفاهم اللعين! -
- آسف، المرة الجاية مش هاعيا
...
منتصف النهار، معدل الوفيات رهيب و لا أستطيع تبين سبب مباشر.في الرعاية نقوم بإسعاف القلب و الرئة للمرضى الذين يتوقف نبضهم، نقوم بالإسعاف لمدة عشرين دقيقة فإذا لم تحدث استجابة نقرر الوفاة. ألاحظ تردد "الموظف" الذي وقعت عنده في الصباح على أسرة الحالات الحرجة
- فيه حالات "اريست" يا دكتورة؟
يقصد cardiac arrest أي توقف القلب
ترد عليه النائبة أن هناك حالتَين متوقعتين في أي لحظة
- طيب ياللا افصلي الجهاز عنهم و خلاص!
أسألها: من هذا الشخص؟ و ما سلطانه الذي يُدخله العناية المركّزة بلا استئذان بل و يمر على المرضى؟!!
تجيبني في بساطة : (و كأنني كان المفروض أن أعلم) ده الحانوتي!
3
اتضح أن الموظفين - و هم لا يعملون في العيد - قد عهدوا بدفاترهم و بمفاتيح المستشفى للحانوتي. فهو بالطبع يعمل حتى في العيد و متواجد دائماً بقرب الرعاية لكثرة الطلب عليه.
(أقرأ في كتابٍ معي أن الرعاية لا بد أن تكون بجانب معمل و بنك للدم و غرفة عمليات - هذا في إنجلترا - في مصر يجب أن يكون الحانوتي متوفراً حتى لو كان بنك الدم على بعد أكثر من كيلومتر يستوجب عبور النيل!)
4
شك النوّاب في إصابة إحدى المريضات بالاتهاب السحائي (الحمّى الشوكية). و حين اتصلنا بالأستاذ المسئول عن الرعاية أخبرنا أنه إن صحّ الافتراض فإنه يجب إرسال المريضة لمستشفى الحمّيات و إغلاق الرعاية لتعقيمها لمدة ثلاثة أيام.
اتصلنا بمستشفى الحميات، فردّ علينا النائب النوبتجي بأن هذه المريضة تتطلب العناية المركزة و أنه لذها يجب عليها أن تدفع 750 جنيهاً نظير هذا. كان أهل المريضة قد اختفوا منذ الصباح بعد أن علموا بإصابتها و لم يظهروا بعد ذلك!
طبعاً النائب لم يكتب ما قال بل كتب ببساطة أنه لا توجد لديه أماكن بالمستشفى.
أما مدير المستشفى التي نحن فيها فقد اهتم بالأمر جداً حتى أنه امر بصرف "ريماكتان" و هو دواء الحمى الشوكية مجاناً لجميع العاملين بالرعاية!! و نصحنا باستخدام الكمامات عند التعامل مع المريضة، كما وعد بتقديم شكوى في نائب مستشفى الحميات ثم ترك العناية المركزة بأسرع خطوة ممكنة.
في النهاية لم يفعل أحد شيئاً، حتى قررنا نحن أن نرسل المريضة إلى الحميات بسرعة خوفاً على باقي المرضى و بالفعل قمنا بهذا. الطريف أن حالات الحمى الشوكية ظهرت في اليوم التالي و أظن أنها تستمر في الظهور طالما لا إجراءات حقيقية تتخذ.
11 Comments:
في أمل يا دكتور لأنك فارق معاك. ولأن في كذا حد فارق معاه. انا قلتلك الكلام ده لما أتقابلنا بس مش عارفة حتعرفني ولا لأ. صدقني في أمل بس عايز صبر ايوب
و من يمتلك صبر أيوب؟
أو حكمة الأنبياء؟
جايلك يا مينا :)
متفيصشي دلوقتي
أنا عشت موضوع الحمى الشوكية مع والدتى الإسبوع اللى فات، طفل عندها فى المستشفى اتأكدوا من حالته، رفضت عربية الإسعاف نقله لمستشفى الحميات خوفا من العدوى
كلموهم تبعتلهم عربية من عندها تيجى تاخده..رفضت
فضل الطفل مرمى محدش بيعتنى بيه لا هنا و لا هنا .. لحد ما مات
خلص الكلام منى
ماعادش فيه كلام ينفع خلاص
و مافيش اختيارات غير الهروب عشان النجاة
المركب بتغرق و مافيش أي حاجة تقدر تمنعها
انت بتتكلم جد يا دكتور ولا بتهزر؟
يعني ايه ام الحانوتي - حاااانوتيييي؟؟؟؟؟؟- يدخل و يقول معلش اصلي عايز استرزق موتوا ابن الكلب ده؟؟؟ هو احنا فين؟ و بعدين ايه العيانة اللي اهلها سابوها بعد ما عيت ، يعني ايه؟ موش فاهم؟ سيادتهم خلاص قالك لما تموت نيجي ندفنها؟ و ايه الخيبة بتاعت الغرفة الل موش ناوين تعقموها
يا عم ايه القرف ده انا كده موش هاعرف انام
7aram 3alek el bete3melo fina da :'(
ولا حتى صبر أيوب ينفع
all i can say is that there is always a hope even if so little that we can't see it, but it is still there...
http://i.euniverse.com/funpages/cms_content/2529/4candles.swf
زيتونة، الأمر اعقد من أي حلول فردية
المركب فعلاً بتغرق، طريف هذا أو غير طريف لا يهم الآن.. المهم هو إدراكنا له
"أنا لايمكنني أن أشاهد جنازة و أرقص أمام النعش" قال جبران
النعش أمامنا و لكننا نريد أن نرقص و أن نجعل الآخرين يرقصون
سبرنج: لم أنم منذ أسبوعين، أي منذ أن بدأت العمل في الرعاية و تنتابني كوابيس إذا حاولت أن أنام
جولي: انا آسف.. لكن الواقع يفعل فينا أكثثر من مجرد مقال على مدونة
الحل صعب انه يكون فردي
واحد بس عمره ماهيقدر يغير نظام كامل بيتعاون فيه الصغير والكبير ضد مصلحة المريض
عايز اقولك اني بتعامل كتير اوي مع دكاترة وبادخل مستشفيات خاصة وعامة بحكم عملي بيخليني استغرب من كتر الفساد وعدم الاهتمام بالمرضي شيء بقي رهيب
Post a Comment
<< Home