Saturday, December 17, 2005

أبوية

1
عام 1966، وصف إريك بيرن - الطبيب الكندي - ثلاث مكونات تتصارع داخل النفس الإنسانية : الأبوي، الطفولي و الناضج. و شبههم في كتابه "ألعاب يلعبها البشر" بثلاث عاملات تليفون يدِرن سنترال واحداً و يتنازعن دائماً للرد على المكالمات.
كانت هذه بداية نظرية التحليل النفسي التفاعلي ، و معها ثورة علم النفس الحديث.
ما يهمني أن "الأبوي" هو المسئول دائماً عن تسجيل ما يتلقاه من "الآباء" دون تحليل و لا نقد. قال بيرن أن هذا الجهاز يبدأ في العمل منذ سن ستة أشهر و يتوقف تماماً قرب العشرينات ليتولى "الناضج" القيادة. و افترض بيرن أن هذا ما يؤدي بالضرورة للنفسية السوية.

2
في مناقشة مع صديق فرنسي، اقترحت أن أزمة الإيمان في أوروبا قد يكمن حلّها ببساطة في تقديم صورة الله الأب
الحنون للشباب. ردّ صديقي أن هذه قد تكون أصل المشكلة!
الله في المسيحية "آب" ، و باللغة العربية "أب". كان أن نشأ اللفظ عند محاولة إيجاد كلمة تعني المصدر و البداية، و كان اللفظ السرياني "آب" هو الأقرب للمعنى. أما الإسلام فيقدم الله في صورة أبوية أخرى، الأب الذي يعلم كلَّ شيء و يتطلب من أبنائه الكثير و قد يقسو أحياناً.
أب يحاصر بالحب أو بالقسوة،
في الحالتين النتيجة واحدة!

3
حين رَسم مايكل-أنجلو الله على حائط كنيسة السستين، رسم كَهلاً ذي جسم شديد القوة. هكذا عبّر الفنان عن الأب الذي لا يموت و لا يفنى.

4
سألتُ أمي: هل الله يرى كلَّ شيء؟
- نعم
- و هل يراني في الحمّام؟
- نعم
- كم هو متطفل!
( جون بول سارتر - الكلمات)

5
أعلن الرئيس السادات أنه "رب العائلة" و بهذا أفصح عن مفهوم ظلّ سابقه يصدقّه و يمارسه و إن لم يفصح عنه. كان عهد السادات هو ذروة العهد الأبوي في السياسة المصرية. تلاه عهدٌ شاء أن يكون أبوياً لكنه وجد نفسه في مأزق من يتخذ ابنته عشيقةً له. فحاول الانتقال بفجاجة من حالة الرئيس/ الأب إلى الرئيس / الزوج (شرعياً!). و مع هذا الانتقال، يعود مصطلح "الشرعية" للظهور، فيما لم يحتجه السابقان أبداً.

6
عند المسيحيين، الرئيس الأعلى للكنيسة "أب"، لا ليس اي أب بل هو ال"أب" - ال"بابا" (لإضافة شيء من الحميمية على الكلمة). له كل سلطات الأب و كل كرامته أيضاً. و يُنسَب له ما يُنسَب للأب، يدري مصلحة الأبناء، و يتكلم باسمهم بل و يتولى عنهم اتخاذ القرارات لأنه أدرى بمصلحتهم.
النظام الأبوي في الإسلام أقل وضوحاً، و إن كان يمكن إيجاد بعض مظاهره في مفهوم "الحاكم - أمير المؤمنين".

7
ينشأ الطفل المصري في كنف أبويه حتى الثلاثينات من العمر. وضع شاذ و غير طبيعي بالمرة!
الكل من حوله يمارس عليه أبوةً بشكل أو بآخر. مدرّسة الحضانة، ثم المدرسة، مدير المدرسة، أساتذة الجامعة (الآلهة الصغيرة و الكبيرة)،رجال الدين، رجال الأحزاب، نشطاء حقوق الإنسان (الذين هم أدرى بمصلحته)، العائلة، الشرطة، مباحث أمن الدولة، الأطباء، السيّاس... إلى آخر القائمة!
الكل يعرف مصلحته و ما يجب عليه أن يفعله، إلا هو!

8
ألاحظ صراصيرَ على سرير المريضة. أطلب الحديث مع مرافقتها: "ينفع كدة الصراصير على الملاية؟"
تجيبني في لا مبالاة: " و إيه يعني؟"
ثم تضحك من سذاجتي
أَضحك من نفسي لأني أردتُ أن أمارس أبوّةً عليها.

9
المعارضة تكشف انحراف الحزب الوطني و تقدم البديل. يسير شباب كفاية في مظاهرات و يجوبون الشوارع، يُعجَب الناس بشجاعتهم و يؤيدونهم سراً. في الصباح، ينتخب نصف الناس الحزب الوطني و نصفهم الأخوان المسلمين!
هكذا يرون مصلحتهم، فهل المعارضة تعرف مصلحة المصريين أكثر منهم؟
إذا ارادوا ان ينتخبوا الوطني و الأخوان فليفعلوا، لسنا آباءً لهم!!

10
قال زرادشت:
"انظروا إلى أهل الصلاح و العدل لتعلموا من هو ألدّ أعدائهم، إنه من يحطم الألواح التى حفروا عليها سُنَنَهم، ذلك هو الهدّام، ذلك هو المجرم، غير أنه هو المبدع.
إن المبدع يطلب رفاقاً له بين من يعرفون أن يشحذوا مناجلهم. و سوف يدعوهم الناس هدّامين و مستهزئين بالخير و الشر، غير أنهم يكونون هم الحاصدين و المحتفلين بالعيد"
( فريدريك نتشه - هكذا تكلم زرادشت)

11
لأني لا أريد ان أكونَ ابناً فأنا لا أريد أن أكون أباً

7 Comments:

At 10:20 PM, Blogger عوليس said...

فكره لذيذه
ومقاطع رائعه
جميل يا افريقى

 
At 8:16 AM, Blogger Darsh-Safsata said...


الكتاب فكرته رائعة وياليتك تقدم لنا المزيد منه
قضية الأب دائما قضية محيرة، فهو يؤتمن على كائن ويصبح مسئولا عنه ويحاسب ان اخل بواجباته، ولكن عند بعض المواقف التي يرى فيها ابنه يسير الى حيث سيصاب بضرر كبير، يقال له توقف انه حر!
فاين الحدود بين المسئولية والحرية ومتى يصبح الكائن حر؟؟ لم أجد حلا لهذه المعضلة

أما عن كفاية فنحن نحارب من أجل أنفسنا وليس فقط من أجل الشعب، الذي وان كان له ان يختار ما يريد فيجب الا يكون هذاعلى حسابنا

 
At 3:59 PM, Anonymous Anonymous said...

كلام جميل ومشاركة احلى


وعرض طيب

شكرااااااااا


وفقنا الله لما فية الخير

مع خالص تحياتى
www.AFKaaaR.blogspot.com

تامر

 
At 2:05 AM, Blogger Michel Hanna said...

إيه الحلاوة دي يا دكتور؟

 
At 12:32 AM, Blogger Admin said...

ياااااااااااه كنت فاكر اني الوحيد الي قريت كتاب ايريك بيرني ...البوست رائع فعلا ....خصوصا انك لاحظت ان المصري بيعد ابن لسن التلاتين...للاسف عشان دايما عشان الراجل يتولد لازم ابن امه الي جواه يموت و يمكن دا السبب الي مخلي مصر مفهاش رجالة

 
At 12:29 AM, Blogger African Doctor said...

عوليس: اشكرك، ياترى ليه بقالك فترة منقطع عن الكتابة؟؟ ياريت ترجع تاني تسمعنا ضحكة البحر

درش: ربما السر يكمن في التفرقة بين الأبوة و الأبوية (أنا باقترح). أشعر أن هناك فرق بين المعنيين فالأول علاقة و الثاني انتهاك
الأبوة علاقة حتمية لا مفر منها، و يمكن أن تبني و أن تحرر إن كان من يمارسها حراً في الأساس
أم الأبوية فهي سرقة للحرية و اختلاس للكرامة
ربما!

ميشيل: دايماً مشجع، شكراً يا جميل

كغيم: الكتاب فعلاً رائع، و رغم قدمه لكنه صالح للوقت المعاصر
فعلاً ملاحظتك سليمة، قارن الشباب المصري بالأوروبيين مثلاً - حاجة تكسف!- اهتماماتهم، استقلاليتهم، حريتهم... أمور نفتقدها في مجتمعنا الأبوي المقهور
هل تقرأ كثيراً في التحليل النفسي؟

 
At 2:12 AM, Blogger Admin said...

well, thank u african dr, i am generally interested in psychology however my particular interest is self help books as power of positive thinkin' or psycho cybernetics, the 7 habbits n this stuff,i think i ll email u soon coz i need ur opinion concerning somethin related to this subject in particular

 

Post a Comment

<< Home

--