Friday, November 25, 2005

الحلّ

وضح الآن ما كان خافياً ، في الساحة السياسية قوتان لا ثالث لهما. قوة شعبية بحقّ، الأخوان المسلمون؛ و قوة تفرض نفسها بحسابات السلطة و الثروة، الحزب الوطني.
ما عدا ذلك وهمٌ توهمناه و صدّقناه! و أسميناه معارضة
فالمعارضة الوحيدة التي يفهمها الناس في الشارع هي المعارضة الدينية. لأننا مجتمع مهووس دينياً لا يسمع إلا لصوت الدين، و لا يرى مشاكل من حوله سوى عدم إقامة الحدود. هكذا نجح الأخوان بشعار بسيط لكنه يلمع للجماهير "الإسلام هو الحل"
أمامنا الآن مصر واضحةً كما لم تكن من قبل، و أمامنا تساؤلات فُرضت علينا

مأزق المعارضة:
* المعارضة الآن في مأزق، فهي لا تؤيد الحزب الوطني بطبيعة الحال كما أنها لا تستطيع التضحية بالمكاسب المدنية و العلمانية كي تتحالف مع الأخوان المسلمين باعتبارهم القوة المعارضة الوحيدة المتواجدة في البرلمان
لاحظت اتجاهات المعارضة و موقفها تجاه الأخوان المسلمين؛ الصحف كـ"الدستور" مثلاً هللت لفوزهم و لعبت على المشاعر السائدة. بينما هاجمتهم "الفجر" بضراوة متجاهلة التزوير الواضح الذي تعرضوا له.
بالإضافة إلى أن المعارضة قد رأت حقيقة حجمها في الشارع بعيداً عن الدعاية الإعلامية، و بدا أن المظاهرات لم تكسب شيئاً على أرض المعركة الانتخابية. و كأن "الإسلام هو الحل" فعلاً أمام قوى المعارضة إن هي أرادت التأثير و التواجد بين الناس! فهل تقبل المعارضة بهذا؟
البديل المطروح هو استمرار النضال من أجل معارضة بعيدة عن الشعارات الدينية، و هو الخيار الأصعب من جهة الوقت و المجهود و لكنه الأكثر نزاهة و الأعمق تأثيراً.
أمامنا موقف "عبد العزيز مخيون" - و هو يساري قديم - ممثلاً لمأزق المعارضة. فالرجل أعلن أنه سيؤيد الأخوان المسلمين من الآن فصاعداً لأنهم القوة الرابحة المؤثرة في الشارع.
فما هو اختيار المعارضة القادم؟

مأزق الأقباط:
* الأقباط أيضاً في مأزق؛ فالحزب الوطني الذي راهنت الكنيسة عليه لم يستطع أن يضمن للمسيحيين مكاناً في المجلس الجديد ، و لا حمايةً من تصاعد التيار الديني الذين يخشونه. و هم لا يستطيعون مد يد التحالف للحزب الزطني من جديد يعد ما ظهر من عجزه عن حمايتهم و من استغلاله لهم ككتلة أصوات لا يراعي مصالحها و لكنه يطلب تأييدها. كما أنهم بطبيعة الحال لا يستطيعون تأييد الأخوان المسلمين على الرغم من تطميناتهم المستمرة لهم و الرسائل التي يمررونها عن الدولة الدينية ذات المرجعي الإسلامية و حقوق المواطنة، إلى آخر هذا الكلام؛ في النهاية هم أخوان "مسلمون" لا يستطيع المسيحيون أن يأمنوا لهم.
فماذا سيكون موقف المسيحيين و الكنيسة بعد نهاية الانتخابات؟ هل مزيد من الانعزال خلق سور الطائفية أم محاولة الاحتماء بأحزاب تبدو لا حول لها و لا قوة أمام القوتين العظمتين؟

مأزق الأخوان:
* سيضطر الأخوان - إن هم استمروا في صعودهم - إلى تحقيق مكاسب حقيقية ضد النظام. ليست مكاسب من نوعية مصادرة روايات أو أغانٍ بل إصلاح حقيقي يمس هموم الناس الذين أعطوهم الثقة. ربما يفيدهم أكثر لو تحولوا إلى حزب سياسي و إن كنت أظن أنهم لن يرضوا بهذا الآن بعد أن أثبتوا تفوقهم علىكل الأحزاب الموجودة. لكن نجاحهم بهذا الشكل لا يمكن أن يستمر طويلاً تحت شعارهم الذي هو بلا مضمون حقيقي. فهل نحتاج لتجربة مؤلمة مثل السودان مثلاً حتى يكتشف الناس أن الأخوان لا يقدمون حلولاً حقيقية و لا بديلاً مشرقاً لأوضاعهم المتدهورة؟ أم أن الأخوان يمكنهم أن يعيدوا تنظيم أنفسهم ليتجاوبوا مع مسئوليتهم الحالية كأقوى كتلة معارضة في الساحة بطريقة أكثر نضجاً؟

مأزق النظام:
* يخرج الحزب الوطني من هذه الانتخابات أضعف مما كان قبلها. و قد انكشف أمامه غريمٌ قويٌّ لم يكن يظنه بهذا الحجم. و إن كان قد كسب نقطة ضد أحزاب و حركات المعارضة التي كانت له صداعاً في الفترة السابقة إلا أنه يتواجه مع الأخوان الذين هم أخفض صوتاً و لكن أقوى تأثيراً في الشارع. كما أنه خسر ثقة المسيحيين بسبب غبائه السياسي، و ليست أمامه حلول سوى استعراض القوة الأمنية و البلطجة حتى يضمن حداً أدنى من الأغلبية في البرلمان القادم تضمن توريثاً للحكم بلا مشاكل.
و لا أظن أن هناك أمل في أي إصلاح لهذا النظام، فما هي الألاعيب الجديدة التي سيخرج علينا بها عباقرة الحزب الوطني في الأيام القديمة كي يخرجوا من مأزقهم؟

تبدو جميع القوى السياسية الآن باحثةً عن حل لمآزقها. و سواة كانت الحلول المطروحة شرعية أم لا، نزيهة أم لا، في مصلحة الشعب أم لا، فالمؤكد أن مصر لن تكون بعد هذه الانتخابات كما كانت قبلها.
م

تدوينات في نفس السياق:
بهية و تحليلها المتميز
حائر في دنيا الله - الأخوان مش هم الحل
الأخوان هم صوت الشارع،شارع إيه؟
مالك - الإسلام هو الأخوان
لنتعد الطبيعي - صدق قرد الرمال
الأقباط الأحرار - خوف من صعود الأخوان من جديد


عبارات

هذه مجموعة عبارات سمعتُها و قرأتُها في الأيّام الماضية، و بها خلاصة مشاعري و أفكاري خلالها. على سبيل المشاركة مع من يقرأها

" ما فيش أمل"
(....)

" لو ماضحكناش نموت"
(مرافقة إحدى المريضات في المستشفى العام)

"أحقر الأنشطة الإنسانية في مصر: الدعارة و السياسة و الطب"
(أحد زملاء العمل)

"يا ليتَ رأسي ماءٌ و عينيَّ ينبوع دموع فأبكي نهاراً و ليلاً قتلى بنت شعبي"
(مراثي أرميا - العهد القديم)

" ليست السن هي ما بلغه أحدنا من العمر، بل ما يشعر به"
(جابرييل جارثيا ماركيز - ذكريات غانياتي الحزينات)

"إن من لا يغنّون لا يمكنهم أن يتصوروا - مجرد تصور - ما هي سعادة الغناء"
(جابرييل جارثيا ماركيز - ذكريات غانياتي الحزينات)

"يبدأ الرجاء عندما ينتهي الأمل"
(هنري بولاد اليسوعي - إله المستحيل)

" الرجاء يجب أن يكون مصحوباً بالعمل، و إلا أصبح أمنية"
(ابن عطاء الله السكندري - جملة يرددها دائماً الأب كريستيان فان نسبن اليسوعي)


"يا إلهي،
لقد كان الألم كبيراً
حين تم ضبطٌ الأوتار
فلتبدأ موسيقاك"
(طاغور - جني الثمار)

" و كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه تُرجعون"
(قرآن كريم)

"لو كنتُ سنبلة قمح نابتة في بلادي لكان الطفلُ الجائع يلتقطني و يزيل بحياتي يدَ الموتِ عن نفسه"
(جبران خليل جبران - العواصف)

م

Monday, November 14, 2005

رعاية - 2

5
يشبّ حريق بالمعمل المجاور، ماس كهربي بأحد الأجهزة. يذعر العاملون. تصوّت رئيسة التمريض: ألحقونا! هانموت هنا كلنا، ألحقونا.
(ملحوظة: الرعاية في الدور تحت -الأرضي) يجري إليها عمّال و معهم طفايات حريق مسرعين نحو المعمل... الطفايات لا تعمل! آه تذكرنا، هي طفايات قديمة جداً...
يقرر أحد العمّال أن الأصلح هو فصل الكهرباء عن الدور كله. تفصل الممرضة سكينة الكهرباء. يفطن أحد الأطباء أن خمسة مرضى على الأقل يعتمدون علىأجهزة التنفس الصناعي! ندخل لعمل تنفس يدوي لهم حتى يعيدون فتح الكهرباء....
يسمونها "عناية مركزة"، و أسميها "تهريج مركّز"

6
أقف لملاحظة مريضة، بينما وقت الزيارة قد حلّ. هذا الجسد النائم أمامي غذاً له علاقات و تاريخ، بشرٌ يتجمعون حوله علّ الحياة تطيل الحلول به. أتأمل في صمت بينما تقترب مني ابنتها و تسألني عن الحالة. أجيب أنها لم تتقدم كثيراً و أنها ستوضع على جهاز تنفس صناعي لأنها لا تستطيع أن تتنفس لوحدها . تبتعد لتبكي بجانب أمّها، تخاطبها و تحكي لها أفكر في كمّ المعاناة التي نسببها للناس بوجودنا في حياتهم. ألم يكن من الأفضل الأّ تكون هناك مستشفيات؟
ما الفرق الذي نعمله؟ لماذا لا نتركهم يموتون في سكون و كرامة بعيداً عنّا؟

7
كيف يمكن أن تحافظ على قواك العقلية في مثل هذا المكان؟؟؟؟
خلص الكلام

Friday, November 11, 2005

رعاية

مافيش أمل
أردد في ذهني بينما أعود كل يوم من عملي في وحدة العناية المركّزة. اليوم تنتهي مدّة عملي هناك، و لذا أكتب بعض اللقطات لأنقل الصورة كما هي. و بلا تعليق إلا في أضيق الحدود

1
أعمل ايام العيد... بالطبع الموظفون غائبون، فهي إجازة رسمية. لكن دفاتر الحضور و الانصراف موجودة دائماً. أسأل قبل العيد: "هل نوقّع ايام العيد؟" و يجيبني أحدهم بلا مبالاة: "طبعاً يا دكتور، مواعيد العيد زي مواعيد قبل رمضان" أضحك في سري، فإن كان رمضان مواعيده أخف من باقي العام فالأولى أن تكون مواعيد العيد مثله إن لم تكن أخف. على أي حال لا تفرق معي مواعيد رمضان ولا شعبان، أحرص أن أجيء في موعدي لأنني أعتبر نفسي طبيباً لا موظفاً.

2
صباح أول أيام العيد، و أنا مازلت مريضاً بالبرد اللعين. أوقّع في الدفتر بينما يزجرني الجالس على المقد بنظرة شرسة. "ماينفعش كدة!"
- ما ينفعش إيه؟
- ما ينفعش تفضل عيان و أنت في الرعاية
أندهش من المنطق - حتى رفاهية المرض لا أنالها في مستشفاهم اللعين! -
- آسف، المرة الجاية مش هاعيا
...
منتصف النهار، معدل الوفيات رهيب و لا أستطيع تبين سبب مباشر.في الرعاية نقوم بإسعاف القلب و الرئة للمرضى الذين يتوقف نبضهم، نقوم بالإسعاف لمدة عشرين دقيقة فإذا لم تحدث استجابة نقرر الوفاة. ألاحظ تردد "الموظف" الذي وقعت عنده في الصباح على أسرة الحالات الحرجة
- فيه حالات "اريست" يا دكتورة؟
يقصد cardiac arrest أي توقف القلب
ترد عليه النائبة أن هناك حالتَين متوقعتين في أي لحظة
- طيب ياللا افصلي الجهاز عنهم و خلاص!
أسألها: من هذا الشخص؟ و ما سلطانه الذي يُدخله العناية المركّزة بلا استئذان بل و يمر على المرضى؟!!
تجيبني في بساطة : (و كأنني كان المفروض أن أعلم) ده الحانوتي!

3
اتضح أن الموظفين - و هم لا يعملون في العيد - قد عهدوا بدفاترهم و بمفاتيح المستشفى للحانوتي. فهو بالطبع يعمل حتى في العيد و متواجد دائماً بقرب الرعاية لكثرة الطلب عليه.
(أقرأ في كتابٍ معي أن الرعاية لا بد أن تكون بجانب معمل و بنك للدم و غرفة عمليات - هذا في إنجلترا - في مصر يجب أن يكون الحانوتي متوفراً حتى لو كان بنك الدم على بعد أكثر من كيلومتر يستوجب عبور النيل!)

4
شك النوّاب في إصابة إحدى المريضات بالاتهاب السحائي (الحمّى الشوكية). و حين اتصلنا بالأستاذ المسئول عن الرعاية أخبرنا أنه إن صحّ الافتراض فإنه يجب إرسال المريضة لمستشفى الحمّيات و إغلاق الرعاية لتعقيمها لمدة ثلاثة أيام.
اتصلنا بمستشفى الحميات، فردّ علينا النائب النوبتجي بأن هذه المريضة تتطلب العناية المركزة و أنه لذها يجب عليها أن تدفع 750 جنيهاً نظير هذا. كان أهل المريضة قد اختفوا منذ الصباح بعد أن علموا بإصابتها و لم يظهروا بعد ذلك!
طبعاً النائب لم يكتب ما قال بل كتب ببساطة أنه لا توجد لديه أماكن بالمستشفى.
أما مدير المستشفى التي نحن فيها فقد اهتم بالأمر جداً حتى أنه امر بصرف "ريماكتان" و هو دواء الحمى الشوكية مجاناً لجميع العاملين بالرعاية!! و نصحنا باستخدام الكمامات عند التعامل مع المريضة، كما وعد بتقديم شكوى في نائب مستشفى الحميات ثم ترك العناية المركزة بأسرع خطوة ممكنة.
في النهاية لم يفعل أحد شيئاً، حتى قررنا نحن أن نرسل المريضة إلى الحميات بسرعة خوفاً على باقي المرضى و بالفعل قمنا بهذا. الطريف أن حالات الحمى الشوكية ظهرت في اليوم التالي و أظن أنها تستمر في الظهور طالما لا إجراءات حقيقية تتخذ.

Sunday, November 06, 2005

سجن



أطلقوا سراح المدون المصري عبد الكريم

Wednesday, November 02, 2005

أقباط الأزمات و أزمات الأقباط - 3

عرَضنا فيما سبَق بعض الأزمات التي وصفناها بأنها داخلية، اي تخص الكنيسة من الداخل بما يضعها بالتبعية في مقابل الأزمة الخارجية التي يتم دائماً التركيز عليها.
و خلال العرض، بدا أن ما وُصف بأزمة الأولويات يعني أن المطلوب هو البدأ بإصلاح الداخل قبل الخارج. و كان المعنى أن كلاهما ضروري، لذا لم أرى سبباً لتقديم أحدهما على الآخر . فالإصلاح يسير بجناحيه، واحدٌ على الكنيسة - و الأقباط - أن تقوم به، و الآخر عليها - و هم معها - ألاّ تكف عن المطالبة به.

بقى أن يكتمل عرض الأزمات بعرض سياقها الذي نشأت فيه، و ليس الهدف هو تبرير الأخطاء بقدر ما هو أمانة السرد و تفسير ما تم ذكره. بمعنى أن الأزمات لم تنشأ لسبب تأصل الشر في الأفراد، و لكن لوجودهم في سياق معين و ظرف تاريخي و مجتمعي يحيط بهم - مع أن هذا لا يعفي من المسئولية.

1- فن صناعة الفراعنة
لا يمكن مناقشة أزمة السلطة في الكنيسة في معزل عن أزمة السلطة في المجتمع المصري و مؤسساته و إلاّ صار هذا ظلماً بيّناً. كلنا نعلم كيف يخضع الشعب لقائده دون نقاش حتى ليكاد يؤلّهه بينما يكثر الشكوى منه في ذات الوقت.
و المقارنة بين السلطة الدينية و المدنية في مصر تكاد تكون متطابقة في هذا الوجه. أضف إلى ذلك "القداسة" التي تحيط برجل الدين في المسيحية، في مجتمع يميل للغيبيات و يصدقها بعد أن يصنعها.
كل هذا ساهم في تأصيل أزمة السلطة في الكنيسة القبطية.

2- الظلم التاريخي
لا ينكر قاريء لتاريخ مصر ما تعرضت له الكنيسة القبطية - و الأقباط - من ظلم تاريخي على مدى عصور عديدة. وهناك عصور اضطهاد كادت أن تودي بالكنيسة المصرية لولا تمسكها بما كانت عليه حتى الدم. هنا يجب أن نتوقف لنرى أثر هذا التاريخ العنيف على الشخصية القبطية في شتى نواحي الحياة. تنشأ من هنا أزمة اغتراب ما في ذلك شك، و ما يتبع الاغتراب من انعزال و انكفاء على الذات.
و في الأذهان أحداث الإسكندرية، و الجرح العميق الذي خلّفته بعد أن كاد حاجز مشاركة الأقباط في الحياة العامة أن ينكسر.

3- الضغط الإسلامي
تخاف الكنيسة على "قطيعها" من تأثير الغالبية الإسلامية، يُنشيء هذا كثيراً من التجمد و التمسك الزائد بتقاليد أقل أهمية من الجوهر.. ربما خوفاً من التنازل الذي يجر مزيداً من التنازل. ربما يصبح الأمر أكثر وضوحاُ إن تساءلنا عن وضع الكنيسة القبطية في بيئات غير إسلامية. في إفريقيا مثلاً - و قد رأيت - تكتسب الكنيسة القبطية حيوية مذهلة، و مرونة رائعة و تواصل حقيقي مع هموم الناس. و تتعاون مع كل العناصر الفاعلة في المجتمع بحرية و ثقة من أجل خدمة الإنسان. و كذا الوضع في أوروبا أيضاً، مما يشير إلى دور مهم لوجود الكنيسة في مجتمع إسلامي تخشى منه و من تأثيره عليها.

4- تاريخ ثقيل
للكنيسة القبطية موروث تاريخي ضخم، من أمجاد و انكسارات. لذل فهي تقف على أرضية تراثية تقليدية صبة. و لكن الجذور أحيناً لا تكون غذاءً بل قيداً!
و قد ذكر مثل هذا الأستاذ جمال البنّا في حديثه عن التراكمات التي تلت الوحي في الإسلام، فهي - كما قال - جبل عظيم مهيب، و لكنه قد يحجب الشمس.
ربما يفيد هنا ذكر مثال الكنيسة الكاثوليكية، و قد استطاعت بحنكة أن توازن بين الجذور و الحداثة في المجمع الفاتيكاني الثاني، بادئةً مرحلة جديدة من التاريخ الكنسي دون أن تفقد جذورها التاريخية.
طبعاً يرتبط هذا بالنقطة السابقة، فالتحديث لا يمكن في وجود "تهديد"، بل مزيد من التمسك بالجذور خوفاً من فقدان الأصول.

5- غياب التنظيم
تغيرت لغة الكنيسة القبطية مرتان، و عُزل الباباوات كثيراً، و مرّت عليها من العصور أقساها، لذا قلّ في تاريخها الاستقرار . و الاستقرار مناخ التنظيم و التأصيل - فالكنيسة القبطية لم يكن أبداً لديها كتاب "كاتشيز" أو تعليم موثق كما لدى الكاثوليك مثلاً، و لا لائحة للرهبان (باستثناء قوانين باسيليوس في القرن الرابع - و هو من الكبادوك)، و نظام لانتخاب البابا، فهي أبداً لم تكن مستقرة بما يكفي كي تفعل - و إن كان استقرارها في العصر الحديث يتيح لها هذا، و قد بدأ بالفعل.

هذه بعض المحاولات للفهم، و لا أدّعي أنها تشمل كل جوانب المشكلة. مجرد وجهة نظر عن أقباط الأزمات و أزماتهم

--